يقابلك وقد إرتدى ثياب الواعظين و أخذ يغرقك بسيل من العبارات التي انتقاها وقد صفها إلى بعضها مرتبا إياها مراعيا في ذلك التقديم والتأخير وقد ألبسها حلة أخاذة رصعت استعارة وكناية وطباقا وبديع ...وأحاطها بسياج من الأدلة والبراهين تتعاضد فيها الآية الكريمة مع الحديث الشريف ...وتشعر وهو يحدثك أنه يمسك ناصية الحق بيمناه ...بينما يسراه تقبض على مفاتيح الجنان.وللأسف فإن تصرفه هذا يكون أقرب إلى الإعجاب بنفسه منه إلى الوعظ والإرشاد... ألا فليعلم أن كلامه هذا أشبه مايكون بمساحيق وضعت على وجه للتزيين وأن الكلام وحده لايكفي بل يحتاج إلى قرينة أساسية تؤيد صدق دعواه...هذه القرينة لاشك أنها السلوك. ولذلك قيل " لاتحدثني كثيرا عن الدين .بل دعني أراه في سلوكك...
واعلم أنه يمكنك أن تخدع بعض الناس بعض الوقت لكنه لايمكنك خداع كل الناس كل الوقت.
وما أكثر في أيامنا هذه من يحدثك عن الخصال الحميدة وعن العفة والطهارة والوفاء بالوعد وغض الطرف وخفض الجناح ولين الجانب والعفو والتسامح ...و..وكل القيم والمثل النبيلة ...حتى يخيل إليك أنك تعيش بين ملائكة يمشون على الأرض...لكن ماإن تطل النفس الأمارة من جحرها أوتلوح المصلحة بحاجتها ...فلا صمود للمساحيق التي كانت تزين الوجه الذميم ...